إذا كنت مثلي، لست من خريجي هارفارد بزنس سكول Harvard Business School وكل ما تحمله لمواجهة الأبواب المغلقة في بيئات الأعمال هو شغفك وقدرتك اللامتناهية على التعلم كل يوم، فهذه المقالة اللذيذة قد تكون اضافة لطيفة لوقتك أثناء احتساءك فنجان القهوة، والأكثر من ذلك آمل أن تكون عظيمة الفائدة أثناء إعدادك للسنة الجديدة.
من التيه بين تخصصات الجامعة قبل عشر أعوام الى التيه موظفا بين أعمال شتى قبل خمس أعوام، الى التيه بين شركات ناشئة فشلت وحدة تلو الأخرى، ماذا تعلمت؟ ولماذا دولفينوس، شركتي الناشئة الأوفر حظا؟ قد تكون الاجابة البسيطة هو أنني تعلمت جيدا من تجاربي السابقة، ولكن ماذا تعلمت تفصيلا؟ وهل يمكنني تحديد الأشياء التي تعلمتها بالفعل والتي يمكنني مشاركتها معك وبالتي تساعدك على الصمود أكثر في بيئات الأعمال اليوم والتي قد تكون غير عادلة بالمناسبة، دعني احاول الفضفضة معك وأنت شاركني أدناه إذا كان ما تعلمته يستحق المشاركة.
1. تقبل جهلك، لا يمكنك معرفة كل شيء
قد تكون فعليا خبيرًا في المجال الذي تعمل به، لكن هذا لا يعني أنك على دراية كافية بجميع ما يدور في مجالك، لا تمارس تلك الضغوط الحمقاء على نفسك لتكون الأول في عصره والأكثر احاطة بمجاله. لا تحاول تتبع كل التفاصيل والمعلومات التي تدور في مجالك، سوف تهدر وقتك بشكل يؤثر على سير عملك. أنا أعلم تلك النصائح الشائعة حول القراءة بشكل هستيري ويومي في مجالك، أو تلك التي تنصحك بتتبع المنافسين ومراقبة كل ما يصدر عنهم، هون عليك الدنيا تتسع للجميع. ربما يمكنك اتباعي في الاكتفاء فعليا بتعلم الأشياء الجديدة التي تدعم سير العمل وخطط النمو مع إدراك كون الوقت جزء من الرحلة، أي لا حاجة للهرولة ولا حاجة لمزيد من ضغط التعلم، اصلا بيئات الأعمال بها ما يكفي من الضغوط.
2. شركتك في بداياتها؟ لا تدعهم يخدعوك
لا يوجد احصائيات رسمية حول أسباب فشل الشركات الناشئة عربيا، ولكن دعني اذكر لك ما يجوب في خاطري. قد يكون الإنتماء لإحدى حاضنات الأعمال بالمنطقة هو أحد أسبابها، سوف يعطونك الحد الأدنى من المهام للمرور للمستوى التالي، و يشجعونك على الظهور الإعلامي المبكر لاشهار شركتك واستعراض انجازاتك "لاحقا ستدرك انها لا شئ"، كما سوف يدعونك للمشاركة في كل مؤتمر من مؤتمرات ريادة الأعمال في المنطقة للتشبيك والحصول على علاقات قد تنقل شركتك نقلة نوعية، ولكن ما الذي يحدث فعليا؟
ببساطة، أنت لا تعمل، أنت لا تبني شيئا، وقتك يجري سرقته، كما أن فرصتك للنجاة في سوق الأعمال الفعلي تتلاشى، هذا بالاضافة الى ان الظهور الاعلامي المبكر سوف يصنع لك قصة نجاح غير موجودة و منافسة مبكرة انت في غنى عنها.
سأخبرك شئ، لقد تقدمت لحاضنات الأعمال مرتين في حياتي، الأولى تم قبولها وبالفعل أصبح لنا شركة ناشئة وحصلنا على استثمار وجوائز من هنا وهناك ولكن كانت مسألة وقت قبل أن تغلق أبوابها. المضحك أنها صنفت كواحدة من الشركات التي ستشكل الثورة الصناعية الرابعة وفق منتدى الاقتصاد العالمي رغم انها مغلقة قبلها بسنوات. والثانية كنت صاحب حظ أفضل بها حيث تم رفضي وقبول 16 شركة أخرى، لا داعي لأخبرك أن الشركات ال 16 أغلقت أبوابها وانا لازلت متماسك. ألم أقل لك أنني كنت محظوظا؟
3. لا تصدق الوعود، صدق الحقائق
سوف تتلقى وعودا كثيرة وبعضها قد يصل لمرتبة القسم من أشخاص مختلفين في بيئات الأعمال العربية، خاصة إذا كنت شخصا لطيف و ذا قبول أو لديك شركة مثيرة للإعجاب، نصيحتي لك لا تصدقهم وأعمل في ضوء الحقائق فقط، لا تبني احلاما على وعد أو تعهد أو رغبة.
إنها واحدة من الأشياء التي تعلمتها مبكرا، بعد فشل عدة شركات ناشئة كنت شريكا بها بسبب عدم ايفاء المستثمرين بوعودهم، وبعد فشل إصدار عدة منتجات في الوقت المحدد بسبب عدم ايفاء مبرمجين بخطط العمل التي تعهدوا بها. حتى العملاء لا تصدقهم حتى يصلك إشعار البنك.
في الحقيقة، يزدهر في عالمنا تعهد الناس بأشياء لا يمكنهم الإيفاء بها، لهذا تأقلم مع ذلك ولا تربط نجاح شركتك أو نشاطك التجاري بوعد عميل أو مستثمر أو موظف. الحقائق وحدها من قد تضمن نجاتك.
4. لا تسعى لإقناع أحد
عندما انشأت دولفينوس بهدف تطوير صناعة التسويق عبر المؤثرين بالعالم العربي، وصلتني عدة رسائل تسخر من جدوى الترويج عبر المؤثرين العرب، و بعضها يسخر من فكرة المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي اصلا، لم احاول اقناع احد بشئ أو حتى الرد، كل ما قمت به هو التركيز على بناء شيء يستحق المشاركة، والتركيز على عملائي الفعليين. مع الوقت بدأ الغير مقتنعين بجدوى المؤثرين وقدرتهم على النمو بالعلامات التجارية يجربون ويغيرون نظرتهم للأمور.
كل ما عليك القيام به هو انجاز عملك، لا تسعى لاقناع احد. هؤلاء ليسوا اطفال تحاول اقناعهم، كل إنسان لديه معطياته التي يحكم بها على الاشياء واذا كان ما تقوم به يستحق التقدير، سوف يأتي اليوم التي تحصل به على التقدير بدون ضغط على احد لتغيير رأيه.
لماذا عدم السعي لإقناع أحد مهم؟ لأنه موفر عظيم للوقت والطاقة، كنت مرة اتحاور مع مستثمر حول فكرة ما وفجأة وجدته يرفض الاستثمار لاعتقاد ساذج للغاية يمكن علاجه بقليل من التوضيح، ولكن لم ادرك ان هذا التوضيح "لتغيير رأيه" سوف يجرني لجدال استغرق أكثر من ساعتين، لم انتصر به بل دفعني للنوم في منتصف يوم عمل بسبب استنزاف طاقتي.
5. كل شئ سيأخذ وقته وزيادة
الوقت جزء من الرحلة، ومحاولات القفز وحرق المراحل سوف تسبب لك الارهاق والضغط والإحباط التي قد يؤدي بك للمشفى، سواء كنت تتطلع لاصدار نسخة جديدة من منصتك أو تطبيقك أو تريد الحصول على جولة استثمارية لدعم نمو شركتك او تريد زيادة مبيعاتك ومضاعفتها، كل هذه الاشياء وغيرها سوف تأخذ في الغالب أكثر من الوقت الفعلي المخطط له، لهذا لا تتوتر وتقبل الأمر.
من المؤسف أني أدركت ذلك متأخرا بعد ان اضطررت لدخول المشفى بسبب ارتفاع ضغط الدم الناجم عن الإجهاد المهني والتوتر العالي، لهذا تفادى التوتر الناجم عن التأخير بأي شكل من الأشكال، بل عليك الاعتياد على ذلك كجزء من صيرورة الأشياء في بيئة العمل، حيث غالبا ما نميل الي تقدير وقت أقل من الوقت الفعلي التي تحتاج الأشياء لتٌنجز وذلك بسبب بيئات الأعمال التي تتطور بسرعة مقلقة حولنا.
6. لا تشتري وهم النجاح السريع، انه مجرد هراء
في عالم الشركات الناشئة، فكرة النمو الخارق والنجاح السريع مغري للغاية ويجري تقديمه كجزء أصيل من هذه الصناعة. انشئ صفحة على فيسبوك لتعبر عن شركتك القادمة وقدم نفسك كمدير تنفيذي لهذه الشركة الناشئة وانضم لحاضنة أعمال، اشتري دومين وقالب موقع جاهز؟ ماذا تحتاج أيضا؟ نعم تحتاج الي ترافيك لتعزيز مكانة موقعك على محركات البحث. الأمر سهل اذهب الي موقع "سبعات" للخدمات المصغرة واشتري بكج روابط خلفية لتعزيز موقعك على قوقل وآلاف الزيارات الوهمية.
أوه يبدو أنك تحرز تقدما رائعا في عملك، والآن تحتاج الي قاعدة بيانات لعملاء محتملين؟ سهلة، اشتري قائمة بريدية جاهزة ببضع دولارات. وابدأ راسلهم عن منتجك او خدمتك النوعية. لحظة لم تعمل على تحسين مواقع التواصل الاجتماعي؟ استثمر بعض دولارات اخرى في شراء متابعين على فيسبوك وانستغرام وتويتر لحتى يبدو عملك ذات شهرة واسعة. ماذا يمكنك ايضا ان تفعل؟ اشتري تفاعل لبوستاتك الأولى. سوف يساعدك هذا على تحقيق صفقة افضل مع المستثمر القادم.
تعتقد أني أمزح؟ في الحقيقة لقد رأيت عشرات ممن يعملون بهذا الشكل خلال السنوات الماضية. لقد رأيت أحدهم يخرج في برنامج الجزيرة الشهير "رواد الأعمال" وكانت بالفعل حلقة مليئة بالضحك. ان انشاء بزنس حقيقي، يحتاج الي جهد خرافي وعمل جاد قد يستغرق في المتوسط 5-7 سنوات. هل أنت مستعد لذلك؟
من أكثر الأشياء التي تثير شهيتي للضحك، خطابات بعض رواد الأعمال وهم على منصة الاستعراض وهم يخبروك بأنهم سوف يغيرون صناعة ما خلال الـ 12 شهرا القادمة. لقد همس في أذني مرة صديقي الصيني وهو يضحك قائلا لي، ما رأيك ان تراهنني انه لن يفعلها حتى خلال الـ 12 سنة القادمة؟
لدي شهية لكتابة المزيد مما قد تعلمته حول بناء الشركات الناشئة في السوق العربي والتسويق بالعالم العربي ولكني أجد من الجديد عدم إطالة المقالة أكثر من ذلك، حتى تخرج من المقالة نشط كما دخلت. استمتع بوقتك وتماسك يا بطل في بيئة الأعمال لأطول وقت ممكن، اعرف انك تبلي بلاء حسنا. السوق العربي غير عادل، انه مزدحم بالعلامات التجارية العملاقة والمنافسين الغير نزيهين ولكنك تملك ذلك الشغف والرغبة العميقة بالنجاح وبناء شركة ذات معنى، تمتلك تلك المقدرة على التعلم والمضي قدما. تذكر أنت هنا لأنك تمتلك ذلك.
تصنيفات أخرى : التسويق الرقمي رواد الأعمال